قارة جديدة تنشأ تفصل إثيوبيا عن أفريقيا.. فما مصير نهر النيل؟
في الوقت الذي تتركز فيه أنظار العالم على الخلافات السياسية حول مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، تكشف الأرض تحت أقدامنا عن دراما أعمق وأقدم بكثير؛ قصة جيولوجية عنيفة تعيد تشكيل قارة بأكملها وتتحكم في المصير الوجودي للنهر الذي قامت على ضفافه أقدم الحضارات.
![]() |
صورة تعبيرية لتصدع القشرة الأرضية وقارة جديدة في أفريقيا. |
أسفل السطح الهادئ للسياسة، ينبض "بركان" هائل من الصخور المنصهرة، لا يقذف حمما، بل قوة تمزق القرن الأفريقي ببطء ولكن بثبات، وفي خضم هذا التدمير، يتكشف سر ميلاد نهر النيل الأزرق نفسه.
دراسة علمية ثورية
دراسة علمية ثورية، نُشرت في مجلة "نيتشر جيوساينس" العلمية، قدمت للمرة الأولى صورة غير مسبوقة لهذا المحرك الجيولوجي العملاق. البحث، الذي قادته العالمة إيما واتس وفريق دولي، لا يقتصر على تأكيد حقيقة أن أفريقيا تنقسم إلى جزئين، بل يغوص عميقا ليكشف عن آلية هذا الانقسام، وكيف أن القوى التي تمزق الأرض هي ذاتها التي صنعت الظروف التي تمنح الحياة لمصر والسودان.
إيقاع من نار في جوف الأرض
تتمدد القشرة الأرضية وتتصدع في منطقة "عفر" الإثيوبية القاحلة، عند ملتقى ثلاث صفائح تكتونية عملاقة (النوبية، والصومالية، والعربية).
هذا "الملتقى الثلاثي" هو النقطة صفر لواحد من أكثر الأحداث الجيولوجية دراماتيكية على الكوكب: ولادة محيط جديد.
رقصة عنيفة ذات اتجاهين
وعلى مدار سنوات اعتقد العلماء، أن هذه الاندفاعات الصهارية هي قوى عمياء تدفع القشرة الأرضية وتجبرها على الانقسام.، غير أن الدراسة الجديدة أثبتت أن العلاقة أشبه بـ"رقصة عنيفة ذات اتجاهين"؛ فالصفائح التكتونية على السطح لا تتأثر بشكل سلبي فقط، بل هي التي تتحكم وتوجه وتُشكل تدفق الصهارة القادمة من الأعماق.
مصير النيل وقصة الخلق
ينتقل النقاش من أعماق الأرض إلى سطحها، حيث يجري نهر النيل كونه شريانا للحياة في مصر والسودان، إذ يمكن أن يبدو هذا التمزق الجيولوجي في إثيوبيا تهديدا مباشرا لمستقبل النهر، لكن الحقيقة التي كشفتها الدراسة هي أكثر عمقا وإثارة.
إن النشاط الجيولوجي العنيف الذي يمزق إثيوبيا اليوم ليس تهديدا بقطع مجرى النيل؛ إذ أن مصدره الرئيسي "بحيرة تانا" تقع بعيدا عن خط الصدع الرئيسي.
نشأة النيل الأزرق
وتعود نشأة نهر النيل، إلى حركة جيولوجية مشابهة، فالاندفاع الصهاري الهائل الذي تتحدث عنه الدراسة هو نفسه القوة التي، على مدى 30 مليون سنة، رفعت الهضبة الإثيوبية الشاهقة عبر قذف طبقات هائلة من الحمم البركانية، والتي أصبحت "برجا مائيا" طبيعيا، يستقبل الأمطار الموسمية الغزيرة التي تغذي النيل الأزرق بأكثر من 80% من مياهه في موسم الفيضان.
التهديد الحقيقي للنيل
وتظهر الدراسة، أن القوة التي تمزق منطقة القرن الأفريقي بشكل ثابت ومنتظم، هي نفسها التي مهّدت الظروف لنشأة النيل الأزرق، ما يترك التهديد الوحيد للشريان المائي بين عاملي المناخ والتدخلات البشرية، وتشهد القارة السمراء عملية انقسام قد تستغرق مدة تتراوح بين 5 إلى 10 ملايين سنة لتتيح نشأة محيط جديد.
في الختام، تكشف الدراسة أن مستقبل نهر النيل لا يتهدده الانقسام الجيولوجي لأفريقيا، بل التغيرات المناخية والتدخلات البشرية.
أسئلة متعلقة بالموضوع
تعليقات على الموضوع